قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ البقرة 185، وتفسير ذلك أن شهر رمضان تنزل فيه الكتاب الحكيم متفرقا من لدن عليم خبير وهو الهادى إلى الصراط المستقيم بتبيانه السلوك القويم للبشر الذى يفرق فيه بين الحق والباطل.
فقد خص الله الشهر الفضيل عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل منها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ؛فعند الصيام والإمتناع عن الطعام وارتشاف الماء تتغير رائحة الفم وتكون كريهة نتيجة مايخرج من المعدة من تخمر ومع هذا فإن رائحة هذا الفم الصائم والذى يكرهه البشر يشمه الله عز وجل أطيب من المسك ويحبه ويباهى به ملائكته.
من فضائل الصيام في رمضان
- تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا: وملائكة السماء تتجه إلى الله بالإستغفار للصائمين مكافأة لهم على هجرهم الطعام والشراب فى سبيل الله والإمتثال لتعاليمه عز وجل.
- يزين الله فى كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادى الصالحون أن يلقوا عنهم المؤون والأذى ثم يصيروا إلىّ: ويهتم الله بجنته وتنويعها بكل مالذ وطاب من فواكه وأعناب وقصور وأشجار وأنهارتحضيرا لاستقبال عباده المؤمنين الذين ساروا على نهجه وتوصياته.
- تصفد فيه الشياطين: وتكبل الشياطين والمردة والجن الكافر فى ذلك الشهر بأمر منه سبحانه وتعالى لكى بيتعدوا عن أذى الصائمين ويعيشوا حالة روحانية ملائكية قائمين راكعين لله تبارك وتعالى.
- تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار: وفى ذلك الشهر الكريم تغلق أبواب النار بأمره عز وجل وتفتح أبواب الجنة على مصراعيها للصائمين ولا سيما أبواب الريان يدخلها الصائمون من أوسع أبوابها.
- فيه ليلة القدر هى خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حرم الخير كله: ويشتهر ذلك الشهر فى أواخره بليلة تدعى ليلة القدر التى نزل فيها القرآن الكريم منجما على نبى الإنسانية والعبادة فى هذه الليلة تعادل مايقرب من ثمانين عاما وأكثر وهى ليلة مباركة تتنزل الملائكة فيها كل ملك ببيرقه الأخضر مثل جبريل عليه السلام والبيرق الأحمر والبيرق الأصفر وكل لون من هذه البيارق يقودها أحد قيادات الملائكة المقربين لرب العزة مثل إسرافيل وميكائيل وعزرائيل وجبرائيل وكل ملك يتبعه آلاف من الملائكة يسلمون على الصالحين ويهنئونهم لصومهم شهر الفرقان ويهبونهم مكافآت رب العزة وعلى المؤمنين تربت وتبلغهم سلام رب الوجود لهم حتى طلوع الفجر تعود صاعدة للسماء ولا تفتر عن عبادة الله طرفة عين.
- يغفر للصائمين فى آخر ليلة من رمضان: وبآخر ليلة من شهر الرحمة تتم مغفرة الله لمن قدروه وعبدوه وأحيوا الليل سجودا وركوعا خاشعين متبتلين تسيل دموعهم على وجناتهم من خشية الله فهنيئا لهم المغفرة وأوبتهم لله سالمين غانمين.
- لله عتقاء من النار وذلك كل ليلة من ذاك الشهر: ومن ثم يعتق الله رقابا كثيرة من النار بمنه وكرمه من أجل ذاك الشهر الأمير.
أما عن نفسى فأوصيكم بعدم الإشتغال باللهو والسهر والتضجر من قدوم الشهر الكريم ذو النعم والخير والبركات فيصير علينا ثقيلاً.
العبد الصالح يستقبل الشهر الفضيل بالتوبة النصوح والعزيمة الصادقة على اغتنامه، وتعمير أوقاته بالأعمال الصالحة داعين وراجين الله عز وجل بأن يعيننا ويعينهم على حسن عبادته وأن يتقبلها منا ومنكم قبولاً حسناً.
بعض الأعمال الطيبة فى رمضان الكريم
الصوم: ولأستدل بذلك على حديث خير الخلق محمد إبن عبد الله الصادق المصدوق حيث قال صلى الله عليه وسلم " كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، الصوم، قوله عَزَّ وَجَلَّ في حديثة القدسي على لسان الصادق الأمين: "إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ" أخرجه البخارى ومسلم. وهذا ما قمنا بالحديث عنه سابقاً بإسهاب جم وتفصيلٍ ممل.
كما قال أيضاً رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في فضائل صيام شهر رمضان:"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" أخرجه البخارى ومسلم.
ليس ثمة شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط وإنما لمن كف اذاه عن سائر الخلق وغض بصرة وأتم صلاته وسبح واستغفر واستغل اليوم في طاعة الله وصبر على ما يحيط به من ضروف إحتساباً صادقاً من عنده لوجة الله سبحانه وتعالى. يقول الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم: "من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ،فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ" أخرجه البخارى.
بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الأقاويل المذيفة والأيمانات الباطلة الكاذبة والعمل بها فلا حاجة لله بصيامة عن الطعام والشراب فالصيام هو صيام القلب والجوارح عن المعاصي قبل أن تكون صياماً عن الطعام وإلا فسوف يمنع الله عز وجل عنه الطعام والشراب والأرزاق المتنوعة.
كذلك قال صلى الله عليه وسلم معلماً ايانا أداب الصيام في الشهر الكريم: "الصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان أحدُكم صائمًا فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ، فإنِ امْرُؤٌشاتَمَه أو قاتَلَهُفَليَقُلْ إنِّي صائمٌ" أخرجه البخارى ومسلم. فإذا صام العبد؛ فليصُم بجميع جوارحة، سمعه، بصره، لسانه وقلبة.
مسببات الإفطار في شهر رمضان
- مجامعة النساء فى نهار الشهر الكريم.
- ارتكاب الموبقات.
- النميمة.
- الأذى.
- الشتم واللعن أو سب الذات الإلآهيه أو عمل إحدى الكبائر.
- التقيؤ عمداً.
- خروج دم الحيض والنفاس.
- الإغماء طوال النهار.
فضائل قيام الليل في رمضان
القيام فى الليل والناس نيام من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله سبحانهُ وتعالى، يقول تعالى "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا" الفرقان 64. لهذه الآية معانٍ تخشع لها قبل السمع القلوب وتوضح صفات المؤمنين الصالحين وقرائنهم الذين يفوزون الفوز العظيم يوم القيامة بإذن ربهم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دأوباً مرابطاً على قيام الليل كما روي في الحديث الشريف عن السيدة عائشة رضى الله عنها "لاَ تدع قيامَ اللَّيلِ فإنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ لاَ يدعُهُ وَكانَ إذا مرضَ أو كسلَ صلَّى قاعدًا" أخرجه أبو داود.
كما ورد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذ كان يصلى من الليل ما شاء حتى إذا إنتصف لليل أيقظ أهله وأقعدهم للصلاة، ثم يقول منادياً بالصلاة الصلاة، ثم يتلو الآية الكريمة والتي تخشع لها القلوب:" وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ ... لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى" طه 132"، فكان مثالاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رضي الله عنه.
كان بن عمر يقرأ هذه الآية:"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" الزمر9.
وقيل أيضاً عن عثمان بن عفان رضى الله عنه وهو الذي تستحيي منه الملائكة، أخبرنا أبن أبى حاتم إنما قال ابن عمر ذلك لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته حتى أنه ربما قرأ القرآن كله فى ركعة، إلا أنه ذكر الإمام مالك بإدراكه للسابقين الصالحين إذا رأوا الإمام قرأ سورة البقرة فى ثمان ركعات رأوا أنه خفف وفرّط، فكيف بنا فى هذا الزمان فى عدة ليال نقرأها.
فى حديث بن السائب بن زيد كان القارئ يقرأ بالمئتين بمعنى مئات الآيات حتى كنا نتوكأ على عُصيّنا من طول القيام – قال:" وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر ومن ثم ينبغى إستكمال التراويح مع الإمام حتى يكتب من القائمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة "رواه أهل السنن.
وللمقال بقية إذا كان فى العمر هنيه.
يجب تسجيل الدخول لإضافة تعليق