عندما قامت الخلافة الفاطمية في مصر بعد أن دخلها المعز لدين الله قادما من تونس (أفريقيا) مقر الخلافة القديم، حيث تعددت مظاهر العظمة والعز في رحاب الخلفاء والوزراء وكبار رجال الدولة كأماكن الاستجمام التي كانوا ينتقلون إليها وقت الفيضان، ومواكب الاحتفالات التي كانت محددة بمواعيد لا يمكن نسيانها.
فاستحدثوا عددًا من الإحتفالات كرأس السنة الهجرية، والمولد النبي، والاحتفال بقافلة الحج، وذلك فضلا عن المناسبات الشيعية كعاشوراء، ومولد الحُسين، ومولد الإمام علي، ومولد الحسن ومولد السيدة فاطمة، ومولد الإمام الخليفة الحاضر، وعيد غدير خم ــ "وخم عبارة عن قرية صغيرة كانت تقع بجوار مكة المكرمة واندثرت".
أسباب محبة الفاطميون لشهر رمضان:
زد على ذلك الإحتفالات المصريَّة كرأس السنة القبطية وأعيادٌ أُخر كعيد النيروز، وابتكر الفاطميّون عدَّة عادات اجتماعية جديدة غدت كيانا لا يتجزّأ من الثقافة الإسلاميَّة عمومًا والمصريَّة خصوصًا، وما برح المُسلمون المصريّون حصرا وخلافهم من المُسلمين في الدُول والأقاليم المُجاورة يُحيون هذه العادات، ومن أبرزها فانوس رمضان، فقد إهتم الفاطميّون بذلك الشهر اهتمامًا خاصًّا، بجانب المغزى الديني الكبير.
وقع عدَّة أحداث بارزة في التاريخ الفاطمي من خلاله كفتح مصر قُبيل حلوله بأيَّام، ووضع حجر الأساس للجامع الأزهر (14 رمضان 359هـ)، وإقامة الصلاة فيه لأوَّل مرَّة (7 رمضان 361هـ)، ودخول الخليفة المُعز لدين الله لمصر فى الفسطاط مساء يوم 7 رمضان سنة 362هـ، فقد تجمَّع الناس وهم يحملون الفوانيس لإنارة الطريق له، وقلد العامَّة الخاصَّة وأهل الحُكم في الاهتمام برمضان، ولمّا كان السهر والونسات لهما مذاق جميل خلال ذلك الشهر، فلابد من الفوانيس.
استخدامات الفوانيس:
ناهيك من أن الفوانيس سالِفة الذِكر علاوة على ما ذُكر أنفا تُنير المساجد في الليالي الظلماء مغلفة بالزُجاج المُلوَّن مُبهُجة للناظرين مما يثير الفرحة بين الأطفال والكِبار، وتزيين المساجد والجوامع بمصابيحها الملونة بأقصى درجاتها خلال شهر رمضان، كما كانت الفوانيس والقناديل تُضيئ الشوارع الرئيسيَّة المسقوفة والحوارى والزقاقات الضيقة، إلى جانب البيوت المؤلَّفة من عدَّة طبقات.
وكان يُفرض على أصحاب الخانات أسعار مُحددة للبيع "التسعيرة الجبرية"، فإذا غشَّ أحد الباعة أو احتال ودلّس عوقب بإطافته على بعير أو على حمارٍ أو بغـلٍ في الأسواق ويُجبر على أن يُنادي هو بذنبه، وعُرفت هذه العُقوبة لاحقًا باسم "الجُرسة" وهى مايعرفه البعض "بالفضيحة" على ماكانت تقول المرأة عندما يشهر بها بكلام معيب صائحة " ياجرستى".
وما انفك الأمنُ سائدًا في أكثر الأحيان، إلى حد أنَّ الحوانيت كانت تُترك مفتوحة ليلًا أثناء صلاة التراويح أو غيرها من الصلوات فضلا عن تركها غير مغلقة لقضاء المقاضى السريعة.
الجامع الأزهر:
ومن خلال رغبة الفاطميين لنشر المذهب الإسماعيلي غدا الجامع الأزهر، أبرز مراكز نشر الدعوة الدينيَّة والعلوم المُختلفة خلال ذلك العصر، وأنشأ الحاكم بأمر الله دار الحكمة في 10 جمادى الآخرة 395 هـ، وأجلس فيه الفقهاء والقرّاء والمنجمين وعلماء اللغة والنحو والأطباء، وخصص للدار قائمين عليها وخدم وفرّاشين، كما نُقلت لها الكتب من خزائن القصور.
ظلت الدار مفتوحة للعوام حتى أغلقها الأفضل شاهنشاه في ذي الحجة 516 هـ، خوفًا من فتنة دينية، إلى أن أمر الخليفة الآمر بأحكام الله وزيره المأمون البطائحي بإعادة فتحها بعد وفاة الأفضل.
جمع الكُتُب:
لم يكن ذلك هو الاهتمام الفكري الوحيد من جانب الحكام الفاطميين، فقد استهواهم جمع الكتب، فكانت لهم خزانة كتب في القصر الشرقي الكبير احتلت أربعين غرفة منه، واحتوت على مليون وستمئة ألف مجلد منها 2,400 نسخة مزخرفة وملونة من القرآن ومنها بضع وثلاثين نسخة من كتاب العين للخليل بن أحمد منها نسخة بخط الفراهيدي، وعشرين نسخة من تاريخ الطبري منها نسخة بخطه، ومائة نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد.
وقد احتوت المكتبة على الآف الكتب في الفقه على سائر المذاهب والنحو واللغة والحديث والتواريخ وسير الملوك والتنجيم والروحانيات والكيمياء.
السلب الفكرى:
على الرغم من ذلك لم تسلم محتويات المكتبة من السلب والنهب، فتعرضت لنهب جنود الدولة نفسها في فترات الفوضى وضعف هيبة الخلفاء، فيحملون منها ما أمكنهم ويبيعونه في السوق، بل واستخدموا جلودها أحيانًا لصنع خفافًا لأحذيتهم.
وبرز الأزهر والمصالى والجوامع في العصر الفاطمي بروزا منقطع النظير مؤثرا في الحركة العلمية الدينية، حيث اتخذها الفاطميون قواعد لنشر المذهب الشيعي الإسماعيلي، فأجلسوا فيه دعاة مذهبهم لشرح قواعد الفقه الإسماعيلي للحاضرين ووقتئذ كان الآذان "لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلى ولى الله- حى على خير العمل"، ولم يكن قصارى جهدهم ولم يقتصر دور الأزهر الفاطمي على نشر المذهب الإسماعيلي، ولكن ضم حلقات علمية للمذاهب الأُخر؛ فكانت به خمس عشرة حلقة للمالكية ومثلها للشافعية وثلاث حلقات للحنيفية.
مولد الوزير يعقوب بن كلس ووفاته:
ولم يتوقف نشر العلوم على المساجد فقط، ولكن كانت قصور بعض الوزراء كيعقوب بن كلس الذي كان مُحبًا للعلم، فكان يجمع العلماء ينسخون القرآن والحديث ويكتبون الأدب ويبحثون فى الطب، ويُشكّلون المصاحف ويُنقّطونها.
بل وألّف ابن كلس بنفسه كتبًا في القراءات والأديان وآداب الرسول وهى مصنفات الوزير والرسالة الوزيرية وُلِد في بغداد عام 930م - 318 هـ -991م- 380 هـ صاحب المعز لدين الله في ولوجه لمصر ورافق العزيز بالله واكتسب ثقته.
ومن المعروف أن بن كلس كان يهوديا واسلم في شهر شعبان المعظم عن اقتناع منطلقا بحاشيته إلى جامع عمرو بن العاص ليصلى الجمعة وعندما انتهت الصلاة سرى خبر إسلامه كمسرى النار في الهشيم، ومن ثم تقلد مع عسلوج بن الحسن المغربى الشئون المالية والخراج والحسبة والأوقاف وانتعشت الدولة الفاطمية نتاج النظام الضريبى اللذان وضعاه و" كفلاش باك" كان بن كلس يعرف خطورة الإعلام ووله المصريين بآل البيت وتقديرهم لهم فاستخدم المسجد الطولونى والمسجد العَمرى بالفسطاط كمركزين لنشرالفاطميين الفاطمية ومذهبهم إلا انه أخفق لرسوخ المهب السُنى في نفوس الشعب المصرى رغم محاولاته المستميتة في نشره.
نقل المجالس العلمية للجامع الأزهر:
ومن ثم إستأذن الخليفة العزيز بالله في نقل المجالس الدينية التي كان يعقدها فى قصره إلى صحن الجامع الأزهر ليصبح دار علم وتثقيف لفقه الشيعة الإسماعيلية، لأنه كان يعقد في قصره مجلسا يحتوى القضاة والعلماء والفقهاء والأعيان، وكلف الكُتّاب بنسخ القرآن الكريم ومصنفات الفقه والسيرة والأدب والطب... إلخ حتى أمست مكتبة الفاطميين عامرة بالمجلدات التي تعدت مليون وستمائة ألف مجلد.
يجب تسجيل الدخول لإضافة تعليق