تبادل الخواطر أو التخاطر ويعنى التليباثى من المصطلحات التى صاغها "فريدريك مايرز" سنة 1882 فضلا عن العالم الإيطالى " لمبروزو": وهو قرينة القدرة على التواصل وتبادل المعلومات من عقل إنسان لإنسان آخر، بمعنى كسب معلومات من الكائنات العاقلة الأخرى، هذه المعلومات متمثلة فى أفكار أو مشاعر أو صور وما إلى ذلك وعُرِفت فى الماضى مُعبرةعن انتقال المعلومة.
جرت دراسات متعددة لكشف هذه الظاهرة النفسية وما انفكت فى جدال علمى وبعضهم يقول أن نتائجها ليست ثابته عند استخدامها فى بحوث أخرى المفروض إتصافها بالصدق والثبات وهى منتشرة الإستخدام فى صور ومجسمات الخيال العلمى والعلوم الحديثة وتعنى التأثير عن بعد وهى أحد علامات الحاسة السادسة أو ما خرج عن الحواس ولها مظاهر أخر مثل الإستبصار والمعرفة المسبقة.
الغيب المطلق والغيب النسبى:
وذلك القول يشابه لحد بعيد الكشف الصوفى أو البصيرة (مكشوف عنه الحجاب) وهو علم الغيب النسبى وليس المُطلق لكون أن ذلك العلم ينقسم إلى قسمين هما الغيب النسبى وهو ماخرج من علم الله إلى ملائكته فأصبح معلوما فى السبع سماوات وللعباد الصالحين وأولياء الله أجمعين إمتثالا لقوله تعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" النحل[1].
فالأمر هنا خرج من الله فلا يستوجب الإستعجال فى الأرض وقد كتب فى اللوح المحفوظ وكل المقربين لله إطّلعـوا عليه ومثال لذلك ولله المثل الأعلى لو جلس أثنان فى غرفة أحدهما يجلس أمام الباب ومشاهد للخارج والداخل والآخر يجلس مستترا بالداخل فالأول يعلم السائرين أمامه أما الذى بالداخل فلا يعلم شيئا وذلك ما نطلق عليه الغيب النسبى فهو معروف للأول ونسبياغير معروف للثانى أما من هو خارج المبنى نهائيا ولم يظهر لكليهما فهو غيب مُطلق لا يعلمه إلا الله سبحانه:" عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول" الجن[27].
تطبيق للإلهام الصوفى:
تطبيقا لذلك حادثة"يا سارية الجبل" وهى من القصص القرآنى التاريخى تؤكد القدرة على التخاطب والتخاطر عن بُعـد أحدثها الصحابى الجليل سارية بن زنيم الدؤلى الكنانى فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنهما ببلاد فارس وقد حدثت عام 645م-23هـ ، فى فتوحات بلاد فارس وكان هو وقتئذ أحد قادة المسلمين يقاتل فى بدايات نهاوند الفارسية عندما تكاثر عليه الأعداء وبذات اليوم كان الأمير عمر رضى الله عنه خطيبا للجمعة على منبر رسول الله ﷺ فى المدينة المنورة، فقطع الأمير رضى الله عنه خطبته صائحا: "يا سارية الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم".
تساءل المصلون عن ذلك، فأجاب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: ليخرجن عمر مما قال، فلما فرغ من صلاته قال لهُ عليّ: ما شيء سَنَح لك في خُطْبتك؟ قال: وما هو؟ قال قولك الذى قلته.
فأجاب عمر: وهل كان ذلك مني؟ قال: نعم.
قال: وقع في خَلَدي أن المشركين هَزَموا إخواننا فركبوا أكتافهم، وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا، وقد ظفروا، وإن جاوزوا هلكوا، فخرج مني ما سمعته.
قال: فجاء البشير بالفَتْح بعد شهر، فذكر أنه سمع في ذلك اليوم، في تلك الساعة، حين جاوزوا الجبل، صوتًا يشبه صوت عمر: يا ساريةُ، الجبلَ الجبلَ، قال: فعدلنا إليه، ففتح الله علينا.
خلاصة القول:
- أن التليباثى وهو تبادل الخواطر عن بُعد حقيقة علمية حدثت كثيرا وهى حقيقة تنبع من الشرع الإسلامى فى العقيدة والفلسفة الإسلاميـة كوفىء بها الأولياء الصالحين والعارفين والصوفية المجتهدين أمتثالا لقوله تعلى :"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" العنكبوت[69].
وبإذن الله لى مقال آخر عن التليباثى والشرع الإسلامى وإلى اللقاء دمتم فى خير.
يجب تسجيل الدخول لإضافة تعليق