About Author
Hesham aboelmakarm
13 followers

أحدث المقالات
مارس ٢٥, ٢٠٢٤, ١٢:٤٦ م - حنين الجوهرى
مارس ٢٢, ٢٠٢٤, ١:٢٤ م - خديجة الوصال
مارس ٨, ٢٠٢٤, ١:٢٠ م - علي خريسات

عملية تجميل محمد علي باشا

 إحدى المشاكل العويصة التي نعاني منها في مصر أن كتابة التاريخ تخضع عندنا لوجهات النظر وفي بعض الأحيان للمصالح.
وتاريخ محمد علي باشا وأسرته نموذج فريد لهذا التلاعب الذي وصل إلى ترجمة بعض الوثائق ترجمة مغلوطة تجعل نسختها العربية على العكس تماماً من أصلها الحقيقي، تعالوا نتجول قليلاً في تاريخ مؤسس مصر الحديثة لكي نكتشف الحقيقة المرة، حقيقة أننا درسنا وما زلنا نعلم أولادنا تاريخاً مزيفاً:

 

 ذات مرة كتب محمد علي باشا رسالة إلى أحد موظفيه يوبخه فيها لأنه أساء معاملة بعض الفلاحين وحبسهم في "الفاوريقة" التي يعملون بها:

"أولياء نعمتي اثنان، الفلاح المصري، والسلطان محمود، وقصدي من ذلك أنه لا يجب النظر إلى الفلاح بعين العداوة، لأن أخذنا وعطاءنا، ونيلنا هذا الشرف بسببه هو، ولكون الفلاح هو ولي نعمة الجميع، يجب النظر إلى ما يحقق رفاهيته" ( أمين سامي، تقويم النيل- الجزء الثاني)

وقد أبرزت المراجع هذه الرسالة، باعتبارها وثيقة تدل على حب محمد علي للمصريين، واحترامه لهم، إلى درجة أنه يعتبرهم أولياء نعمته. هكذا يسوق لنا "المؤرخ الفهلوي" وجهة نظره.

ولكن انظروا إلى وثيقة أخرى أبرزها الدكتور خالد فهمي في كتابه "كل رجال الباشا". الوثيقة تقول أن محمد علي أمر بترجمة قانون معين من لغة أوربية لكي يطبقه في مصر، وحرص الباشا على أن ينبه المترجم إلى أهمية التبصر عند ترجمة القانون، لأن النص الأوربي قد يكون غير مناسب لمصر (هكذا كتب المؤرخون). إلى هنا يبدو الأمر عادياً، بل وينم عن فطنة وذكاء "ولي النعم"، كما أن تعبير "النص الأوربي غير مناسب" الذي ورد على لسان محمد علي، لا يحمل إساءة من أي نوع للمصريين، بل علي العكس ربما يعكس ذلك حرصه عليهم واهتمامه بهم وخبرته بطبيعة مجتمعهم.

لكن الحقيقة التي تورات خلف رتوش كٌتاب التاريخ، نجدها في نص الوثيقة التي  يقول فيها "ولي النعم" لمترجم القانون:

"لا داعي لترجمة نص القانون دون تبصر، لأن القانون يناسب الأوربيين، وهم شعب متنور ومتحضر، أما شعبنا فمثل بهائم البراري، فلن يكون هذا القانون مناسبا لهم"

وفي موضع آخر:

"إن سكان ولايتنا مصر من ثلاثة أنواع، أولها ناس لا يعنيهم سوى أنفسهم، وثانيها ناس وإن كان من الممكن أن يكونوا مخلصين وطيبين، إلا أنهم يفتقرون لأي قدرة على التحفظ، أما أفراد النوع الثالث فهم لا يختلفون عن الحيوانات".

والوثيقة كما هو واضح، تكشف بجلاء كم كان محمد علي  يحتقر أهل مصر، هو وأبناؤه، على عكس ما يروجه من كتبوا تاريخه، ليس لشيء سوي إضفاء مزيد من الاحترام والتبجيل الذي يصل إلي حد التقديس لـ "مؤسس مصر الحديثة".

لقد كان الرجل الذي ينسب إليه الفضل في نشر التعليم، وإرسال البعثات إلى الخارج، يرفض تماماً فكرة تعليم الفلاحين، فقد طلب منه نجله وقائد جيشه "إبراهيم" التوسع في إنشاء المدارس وإلحاق المصريين بها، فرد الباشا مؤكداً أنه لا ينوي مطلقاً تعليم "العامة"، وحذر إبراهيم من ذلك، وذكره بما حدث لملوك أوربا عندما علموا الفقراء، وطلب منه أن يكتفي بتعليم عدد محدود يستطيع بعد ذلك تولي وظائف الإدارة، وحتى بعد إنشاء المدارس بالفعل، كان محمد علي يبدي ضيقه من وجود عدد كبير من الطلاب المصريين الذين يتحدثون العربية، وكتب إلى إبراهيم أثناء حربه مع العثمانيين في الأناضول، يطلب منه أن يحاول اجتذاب عدد كبير من الأتراك وإرسالهم ليتعلموا في المدارس المصرية.

في الوقت الذي كان الباشا يوبخ فيه موظفاً أساء معاملة الفلاحين، ويصفهم بأنهم أولياء نعمته، نجده يرفض تعليمهم، بل ويحذر من عواقب ذلك، ويعتبرهم مجرد حيوانات مثل بهائم البراري، أو في أفضل الأحوال لا يفقهون شيئاً.

وفي نقاش بين محمد علي وابنه حول اقتراح تجنيد عدد من السوريين في الجيش المصري، نجد إبراهيم باشا رافضاً للفكرة تماما، ويحذر والده من عواقبها، ويقول له في إحدى الرسائل: "لا أرى من المناسب تجنيد الرجال السوريين في جيشنا، فالمشاكل التي واجهناها في مصر بسبب تجنيد رعايانا لم تنته بعد، مع أن مصر في حوزتنا، وأهلها ليسوا سوى عموم عبيدنا".

وإذا كان من المفهوم أن يعتبر الباشا وأبناؤه أهل مصر"عموم عبيدهم"، فمن غير المفهوم أن يخرج من نسل هؤلاء "المستعبدين"، من يصر على تزوير تاريخ الرجل وأسرته، وتصديره لنا في كتب التاريخ باعتباره البطل المغوار، الذي بني مصر -ولو على جثث أبنائها- ونقلها إلى مصاف الدول الكبرى، ولكنها الفهلوة التي لا تخلو منها كتب التاريخ، حتى بعد قرون من رحيل "ولي النعم" الذي لا يملك الآن لمن يكتبون عنه ضراً ولا نفعاً. وقصة محمد علي مجرد مثال على ما تضمه كتب التاريخ وما سوف يضيفونه إليها في قادم الأيام، إنهم مازالوا يزيفون، ويزورون، ويكذبون. يتحايلون على الأحداث، يشوهون الحقائق، ويجملون الأكاذيب، تارة بحجة الحفاظ على الرموز، وتارة أخرى بهدف عدم إثارة البلبلة، وتجنب التشكيك في ثوابت الأمة.

أي ثوابت تلك التي تبرر للمؤرخ أن يكذب؟ أي رموز تلك التي تحتاج لمن يكتب تاريخها أن يضع المساحيق على وجهها ويضيف الرتوش الجميلة على مواقفها، حتى تبدو كما يريد هو أن يصدرها للأجيال القادمة؟

التعليقات
د. محمد فتحى فوزى - يناير ٢٣, ٢٠٢٣, ٤:٤١ م - إضافة رد

أتفق مع حضرتك فى ذلك المقال تحياتى

يجب تسجيل الدخول لإضافة تعليق

يجب تسجيل الدخول لإضافة تعليق