ماضٍ وأنا ومستقبل

    يمر أمامي شريط لذكريات عشتها، لحظات ملكتها بيدي ثم تسربت من بين أصابعي كوهم، كماءٍ منسابٍ أو كحفنة تراب. أقف أمامها فتتبدل ملامحي من سعادةٍ عارمةٍ إلى صمت، حتى تتدفق من بين جفوني أدمعٌ منسابة تغرق تفاصيل الحاضر، أعيش أمام هذه الذكريات كردةِ فعلٍ لا أكثر ولا أقل.

    يقال أنه إذ ما رغبت في عيش الحياة بسعادة وهناء، فعليك تجاوز الماضي أيًّا كان ما عشته، ولا تبالغ كثيرًا في دقة الرسم للوحة المستقبل فربما لن تكون فيها، وسر مع مركب اللحظة الحاضرة، فأنت الحاضر، ما الماضي كان إلا لتكون أنت الجزء الذي عليه الآن، ولن يكون المستقبل إلا نهاية المسار الذي قررت المشي فيه الآن.

    تتابع علينا الأحداث، وتظل الحياة سراً صعب الفهم، جميل العيش، متقلب الحال، متبدل الألوان. قد أرغب الآن بتجاوز الحاضر لهفةً للقاء حلمٍ رسمته في المستقبل ناسية أن حاضري كان حلمًا بكيت وسعيت له في الماضي كثيرًا، لماذا قد تفقد الأشياء جاذبيتها حين نمتلكها، ولما لا نمنح أحلامنا التي وصلناها قدسيةً تلائم سعينا لأجلها.

    نتجاوز الأيام دون أن نشعر بها، أرى الحياة حائرة بنا، ترغب في صفعنا على وجوهنا لعدم إدراكنا سرعة مرورها لحظة، ورغبتها في احتضاننا شفقةً على ما نمر به، ورغبتنا في مرور هذا الوقت دون إدراكٍ أن هذا الوقت هو نحن.

    يمر الليل بسرعة حتى لا نكاد ندرك أنه مر، ينجلي لتأتي الشمس بصحبة صباحٍ جديد، تظل الساعات في جريٍ دائم تاركةً وراءها ثوانٍ فدقائق فساعات ثم أياماً ثم عمرَنا، ونقف برهة لنستريح لنجد أنها لم تسترح معنا.

    أنظر إلى قائمة أحلامي، ثم ألتفت ما أصنع في يومي، وما جدية رغبتي بها. يأكلني القلق من عدم تمكني من تحقيقها فيهدأ قلبي وتُشل أطرافي وينطفئ وهجي، إنها دائرة خوفي المستمرة منذ الأزل، ثم ألقي بنظرة على الماضي، لقد حققت ما لم أكن أتخيله، صعاب كثيرة تجاوزتها دون معرفة أحد، وإذ بي أعود لأنطلق.

    لربما هذه هي الحكمة من الحياة، من وجود ماضٍ يمنحنا الأمل والحكمة في السعي والتخطيط والخطو، ووجود مستقبلٍ يرعبنا فيرغمنا على بذل أقصى وسعنا لنجد أن لا أقصى ولا نهاية لما نملك طالما كان الدافع حقيقيًا وراسخًا فينا.

هناء أسامة خريسات