لحظة خاطفة

أن تكون منشغلًا في حياتك حد انسياب المكان والزمان من بين يديك دون إدراك، أن تأخذك دنياك منك دون وعيك، وأن تظن أنك تعيش وأنت لا تفعل، حتى يمر بك حدثٌ ما يعيد ترتيب زمانك، ويحدد معالم مكانك بعد أن يعم الخراب فيك، وتتشتت في طرق كثيرة، وتتوه منك الأحلام. يأخذك منك للحظة ثم يعيدك لشخصٍ جديدٍ لربما هو الأفضل حالًا والأقل حيرة. تفتح عيناك على دنيا أخرى رغم أنها ذات الدنيا، لكن لربما لم تكن أنت ذاتك.

في حياة كل شخص منا حدٌ فاصل، وربما حدود، نهايات كتلك التي نختم بها جملة، وبدايات كصفحات بيضاء في دفتر الحياة تطالبنا أن نبدأ بكتابة تاريخنا وإثبات ذاتنا. إننا نقوم بدور البطل في قصتنا، نحقق انتصارًا، وتصفعنا عدة خسائر، ثم نعود أملين أن نحقق نصرًا آخر. تضعنا الحياة في قالبٍ واحد، قلة يلائمهم تخطي الصعاب فيكملون الطريق رغم عوائقه الكثيرة، كثرٌ لا يجيدون إكماله يأسًا واستسلامًا وخضوعًا له، وقليلٌ هم من يجتازون حدوده ويكسرون حواجزه ويهدمون جدرانه ليبنوا مملكتهم ويضعوا قوانينهم؛ قوانين تسود حياتهم.

وتظل في حيرة من أمرك، كلما داهمك منحدرٌ جديد، أسقوطٌ أم قدرة على التخطي؟ أنجاحٌ أم فشل؟ أتقدم أم تراجع؟ إن القدر يحاول اختبار صبرنا، يحتكر المستقبل والنتيجة والعطاء لذاته، ويمنحنا فرصة واحدة، ألا وهي السعي. ربما ستجد يومًا حلمًا زاملك، وأمضى معك أيامًا ولياليَ حتى ألِفته، ثم اقترب أكثر فأحببته، ثم استثنيته عن الجميع، ورغبت فيه، فهل يرسم هو نهاية مطافك وطريقك؟

تتكور في رأسك تساؤلات عجيبة، تقول: ليتني وليتها، ولست تدري أن خير ما قد يقع هو ما قد وقع بالفعل.

رمم عيناك بعد كل هذا الدمع الذي ذرفته. انهض وافتح نافذتك، اسمح للضوء بالدخول لقلبك علّه يحييه. ستجد يومًا شيئًا يناسبك وحدك. طريقك هذا الذي لم يسلكه سواك، حياتك، ما مررت به وما مر بك، إنه قدرك أنت، نص روايتك، وفصول قصتك، فهل تقف الآن وأنت لا تزال في البداية؟ نصك ركيك، كلماتك متقطعة، سطورك صغيرة، معانيك سطحية، أم أنك لن تفنى قبل أن تزخرف حروف حياتك بحركات الأمل؟ أن تضم جرحك، وتفتح نافذة أملٍ جديدةٍ في قلبك، وتكسر صعاب الحياة التي تواجهك، وتشد همتك لتصل مبتغاك، ولا تنسى أن تضمد جرحك، فلا معنى لما تصل إليه إن ظل الجرح حيًا ينزف.

هناء أسامة خريسات